مقالات
خطبة في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف
أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وسيد الأولين والآخرين،
الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطاهرين أولي
العز والجاه، وأصحابه الميامين غر الجباه، ومن أحبهم، وتبعهم ونصرهم إلى يوم يفوز
فيه من اتبع نهجه وهداه.
صاحب
السعادة/ ممثل حاكم ولاية برنو، البروفيسور بابا غنا عمار زولم، في شخص
السيد...........
صاحب السمو
الحاج الدكتور/ أبوبكر بن عمر غربي الكانمي، ممثلا في شخص السيد الحاج........
أصحاب
السعادة والمعالي ممثلي الأجهزة الحكومية المختلفة في ولاية برنو،
أصحاب
الفضيلة العلماء والمقدمين ورؤساء المنظمات والمؤسسات الإسلامية،
إخواننا
وأبنائنا في زاويتنا المباركة رجالا ونساء صغارا وكبارا
الضيوف
الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تجدد هذه
الذكرى العطرة في هذا العام(1442هـ 2020م) والعالم يشهد
منذ النصف الأول من العام الهجري الماضي، والربع الأول من العام الميلادي الجديد
وإلى يومنا هذا، تغيرات مستجدة على مستوى العالم أثرت على الحياة البشرية بأسرها
ولم تستثن أحدا من الناس، ولا بلد من البلدان. فقد رأيتم كيف كانت آثار جائحة
كورونا على جميع البلدان وقد تعطلت جل مصالح العباد بسببها.
وبهذه
المناسبة، نرجو من الجميع الترحم على من فقدناهم من أعز الناس إلينا، وأنفعهم
للأمة الإسلامية من كبار الخلفاء، والعلماء، وقادة الدعوة إلى الله تعالى، والسلاطين،
والأمراء، ورجالات الدولة في جميع المجالات، في ولاية بورنو، وفي زاويتنا
المباركة في ميدوغري، وفي وطننا
نيجيريا بصفة عامة، وفي السنغال، خاصة خليفة صاحب الفيضة
التجانية مولانا الشيخ أحمد التجاني بن شيخ الإسلام مولانا الحاج إبراهيم نياس،
وأخته الفاضلة السيدة فاطمة الزهراء، وأخيه فضيلة الشيخ مختار رضي الله عنهم
ورحمهم جميعا، وكذلك أفراد أسرة المرحوم الخليفة أبوبكر سي، والأصحاب في مدينة
تواوون، وموريتناينا، وساحل العاج، وتشاد، وإفريقيا الوسطى، والكميرون، والنيجر،
وغامبيا، وجزر القمر، والسودان، والمملكة المغربية، ووجمهورية مصر العربية، وليبيا،
وسوريا، والكويت، واليمن، والجزائر، وجميع
من انتقلوا انتقلوا إلى رحمة الله تعالى، في هذه الفترة العصيبة في باقي بلدان
العالم.
نسأل الله
تعالى، لهم جميعا المغفرة والرحمة، وأن يرزقهم الله الشهادة، وأن ينعم عليهم بما
أنعم على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. حقا لقد كانت
مصائب عظيمة ومتتالية، ولكن تلك هي إرادة الله النافذة، وقضاؤه وقدره الذي لا راد
له. قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ
وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ
النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا
مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران: 185]. (إنا
لله وإنا إليه راجعون).
وهذه هي حال
الدنيا كما وصفها الله تعالى، في كتابه العزيز: (إِنَّمَا
مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ
بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا
أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا
حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].
ويقول أيضا: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ
نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا) [الكهف: 45].
إخواني في الله،
إن جائحة كورونا أصابت البشرية كلها ونحن
باعتبارنا مؤمنين نرى أنها من أجناد الحق تبارك وتعالى، الدالة على قدرته وقهريته،
بصرف النظر عن التفسيرات الأخرى نسأل الله تعالى، أن يرفع هذه الوباء عن البشرية
جمعاء. ثم ازدادت الابتلاءات الأخرى مثل عدم الأمن في بعض المناطق في بلادنا
نيجيريا، وفي كثير من البلدان، وانتشرت الجرائم المختلفة كالحرابة، والاختطاف
والاغتصاب، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة في الفترة الأخيرة، وظهر
الفساد بجميع أنواعه في البر والبحر كما قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم:41].
ويجب أن لا ننسى أن رسولنا الكريم صلوات
الله وسلامه عليه قد تنبأ بما تشهده البشرية في هذا العصر منذ بداية البعثة
النبوية الشريفة وجاء ذلك أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه مسلم في صحيحه، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة،
رضي الله عنه، قال: دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص، جالس في ظل
الكعبة والناس مجتمعون حوله، فجلست إليه، فقال: كنا في سفر مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل، ومنا من كان في جشره، فإذا منادي
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينادي: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال: " إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقا عليه، أن يدل أمته
على خير ما يصلحه لهم، وينذرهم بشر ما يعلمه لهم. وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في
أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها؛ تجيئ الفتنة ويرقق بعضها بعضا، وتجيئ
الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجئ الفتنة يقول: هذه، هذه، فمن أحب
أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت
إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه. ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه،
فليطعه إن استطاع. وإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر. فدنوت إليه، فقلت له:
أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه،
وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي. قال: فقلت له: هذا ابن عمك؛ معاوية، يأمرنا أن
نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن نقتل أنفسنا، والله يقول:" يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا
أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا": النساء29.
قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله،
وأعصه في معصية الله".
وعن أبي
هريرة رضي لله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده،
لا تقوم الساعة، حتى يظهر الفحش والبخل، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، وتهلك
الوعول، وتظهر التحوت. قالوا: يا رسول الله، ما الوعول؟ قال: وجوه الناس
وأشرافهم". هؤلاء يهلكون، فما الذي يبقى؟ التحوت. قال: التحوت؛ الذين هم تحت
أقدام الناس؛ لا يعرفون!
وأخرج الإمام أبو عيسى الترمذي، قال: حدثنا
عبد بن حميد، عن حسين بن علي الجعفي، عن الإمام حمزة الزيات المقرئ، عن أبي المختار،
عن ابن أخي حارث الأعور عن الحارث بن أبي أسامة الأعور قال: " مررت بالمسجد
فوجدت الناس يخوضون في الأحاديث، فجئت إلى أمير المؤمنين؛ علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ألا ترى الناس يخوضون في الأحاديث؟ -
والمراد بالأحاديث هنا، مسائل الخلاف بين المسلمين في العقيدة، والشريعة، والعمل؛
المسائل التي تفرق المسلمين ولا تجمعهم، وتبعد بعضهم عن بعض- ألا ترى الناس يخوضون
في الأحاديث؟! قال: أو قد فعلوها؟! قلت: نعم. قال: أما إني فقد سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم، يقول: " ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟
قال: كتاب الله؛ فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم؛ هو الفصل وليس
بالهزل، من تركه من جبار، ( أي خوفا من جبار)، قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره،
أضله الله. هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي
لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يبلى عن
كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. هو الذي لم تنته الجن، إذ سمعته، حتى قالوا: إنا
سمعنا قرءآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن
حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. قال: فقال لي: خذها إليك يا
أعور".
إخواني في
الله،
لم تكن نيجيريا، بمعزل عن هذه الفتن والابتلاءات فقد شهدنا في الأيام القليلة الماضية المظاهرات السلمية التي تطالب ببعض حقوق المواطنين ولكن خرجت عن مسارها المشروع وتطور الأمر إلى أمور أخرى باندساس عناصر ذات أهداف خططوا لها بدقة فأزهقت أثناء تلك المظاهرات أرواح غالية من مواطني هذا البلد المبارك ودمرت فيها ممتلكات، وتعطلت فيها العديد من المصالح الخاصة والعامة، ولا زلنا نسمع بأمور أخرى غير مقبولة ولا مشروعة ولكنها تحتاج إلى معالجات عاجلة وحكيمة من أولى الأمر. ونحن إذ نؤيد مطالبة المواطنين بحقوقهم المشروعة، ونطالب أولي الأمر بالقيام بواجباتهم تجاه من تولوا أمرهم والاستماع إليهم بكل اهتمام وجد، لا نقر الأعمال التخريبية فالخطأ لا يعالج بالخطأ، كما يجب على الجميع التيقظ إلى مخططات من لا يريدون لمواطني بلادنا خيرا، ولا استقرار، بل يريدوننا أن نبقى في دوامة الانفلات الأمني والتخلف في جميع المجالات.
ومما يؤسف
له أيضا ونحن في خضم هذه الابتلاءات تطل علينا هذه الأيام من جديد فتنة أخرى
تستهدف سيدنا الأعظم رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، والإساءة إليه بتشجيع
وحماية من دولة كبيرة تؤمن بالديمقراطية والحرية، وتؤمن بالعدل والانصاف، واحترام
الآخر. إن الموقف الذي اتخذته فرنسا، لا نعتقد أنه يعبر عن أراء الفرنسيين الذين
يحبون السلام ويشجعون على التعايش السلمي، وليس من المعقول ولا المقبول في هذا
العصر استعداء مشاعر أتباع أي دين من الأديان عمدا وخاصة المسلمين إذ لا فائدة
إطلاقا من ذلك.
ونحن
المسلمين لا نستغرب هذا لأن ما يجري الآن من إساءة لمقدساتنا ورموزنا هو امتداد
طبيعي لما تعرض له رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه من مشركي مكة، وإذايتهم
له صلى الله عليه وسلم، وممن كانوا يعيشون في الجزيرة العربية آنذاك من غير
المسلمين.
قال تعالى
:( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ
وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ
الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ
ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [آل عمران: 186].
وقد تطورت
تلك الإساءآت المتكررة في ذلك الوقت إلى اعتداء غاشم على المسلمين مما استجوب
الجهاد في سبيل الله، للدفاع عن الدين، والنفس، والعرض، والأموال. ولا زلنا نكررأن
الإسلام لا يقر العنف، ولا التطرف، ولا الإرهاب إطلاقا ولكن يشرع الدفاع عن الدين،
والنفس، والدفاع عن كل ما يتعلق بالإنسان من عرض، ومال، وعقل، ووطن أو بيئة. إذا
كل ذلك تجب المحافظة عليه وإن أدى ذلك إلى استخدام القوة لرد المعتدي. وحق الدفاع
الشرعي مبدأ معروف في جميع القوانين الوضعية والأعراف.
قال تعالى:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا
دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ
وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ
اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ
مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ
(42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ
مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
(44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ
عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا
فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى
الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 40- 46].
ومن هنا،
فإننا نضم صوتنا إلى جميع الحكومات العربية والإسلامية التي عبرت عن إدانتها لهذا
السلوك السافر، كذلك نثمن غاليا دعوة المرجعيات الإسلامية الكبرى في العالم
الإسلامي، كدعوة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب حفظه
الله، رئيس مجلس حكماء المسلمين من ضرورة سن تشريع يجرم الاعتداء على الأديان
ورموزها طالما أننا نعيش في عصر حضاري لا يعالج الأمور بشريعة الغابة وإنما بالعقل
والتوافق المؤدي إلى الإستقرار وحفظ الأمن والسلم الدوليين.
كما نوجه
نداء حارا بهذه المناسبة إلى هيئة الأمم المتحدة باعتبارها هيئة عالمية ومن ضمن
أولويات وظائفها المحافظة على الأمن والسلم الدوليين أن تنظر بجدية لقضية الإساءة
إلى الأديان وإلى رموزها لوضع حد لها لأن الفتنة الدينية إذا اشتعلت فلا أحد يدري
متى تنتهي، ولا حجم الخسائر التي تخلفها على مستوى العالم. كذلك نوجه نداء إلى
جميع مراكز الحوار بين الأديان في العالم وإلى قيادات الأديان الأخرى من قساوسة
ورهبان، وحاخامات وإلى مجلس حكماء المسلمين الذي يتبنى ضمن برامجه (برنامج حوار
الشرق والغرب) (ووثيقة الأخوة الإنسانية) ومؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة،
ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية والقانونية في العالمين العربي والإسلامي، أن
يضاعفوا من جهودهم المعتبرة التي تهدف إلى حفظ الأمن، والسلام، والاستقرار في
العالم، بمحاصرة مثل هذه التصرفات الشاذة والتي يمكن أن تكون فردية وتوقف عند
حدها، ولكن عندما تقوم دولة كبرى، أو مؤسسة بحماية مثل هذا التصرف المضر فإنه أمر
غير مقبول، ويستوجب تحركا قويا من جهات لها وزنها الثقيل في المجتمعات لإيقافه.
أما من
ناحيتنا نحن المسلمين، ونحن نحتفل بهذه المناسبة الشريفة لنحيا بها، ونصحو بها من
غفلتنا، ونرجع إلى الله تعالى، بالتوبة النصوح، يجب علينا أن نجدد البيعة لسيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونراجع أنفسنا، وكل منا سواء كان قائدا، أو مسئولا
كبيرا أو صغيرا في الدولة، أو سلطانا، أو أميرا تقليديا، أو عالما، أو خليفة من
خلفاء الطرق الصوفية، أو مقدما فيها، أو مريدا، أو رئيسا لمنظمة إسلامية، أو
تاجرا، أو سياسيا، رجلا أو إمرأة، شيخا، أو شابا، أن يسأل نفسه في خلوته بكل صدق
وتجرد وإخلاص أين نحن مما يريده بنا، ولنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، المنزل
عليه قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ
بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ
فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [الأنبياء: 105- 108]
وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ
وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17) وَلَا
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا
يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى
فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [فاطر:15-18].
إخواني في الله،
إن أوضاعنا اليوم ليس فيها ما يسر القلب غير
هذه الفئة القليلة التي عكفت على باب الله تعالى، بالتضرع والابتهال إليه آناء
الليل وأطراف النهار ليرفع الله تعالى البلاء، ويكشف السوء عن الأمة. هذه الفئة
القليلة من العلماء المصلحين، والنساك، والعباد، والزهاد، الذين عليهم المعول بعد
الله تعالى في إصلاح المجتمع، يجب عليهم نقد أنفسهم نقدا ذاتيا موضوعيا من أجل
تصحيح الأخطاء، ورفع الهمة عن جميع العلائق والعوائق لاقتداء بسيدنا الحبيب
المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال والأحوال، وبذلك نستطيع أن نقوم
بحمل الأمانة ونؤدي واجاباتنا تجاه ديننا وتجاه إخواننا وأوطاننا ونفوز بالرضى
والقبول إن شاء الله.
وبهذه المناسبة أيضا نرجو أن نوجه رسالة
خاصة إلى إخواننا الخلفاء والمقدمين والمريدين
في الطريقة التجانية، بل حتى في الطرق الأخرى لأنها كلها موصلة إلى الله تعالى،
كما قال الإمام البوصيري رحمه الله تعالى:
وكل من رسول الله
ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم
بأنه ظهرت في الآونة الأخيرة - وهو أمر غير
مشهود في السابق ولعله خير-، مطالبات كثيرة بالحصول على إذن التقديم في الطريقة
التجانية، وهذا أمر يبشر بانتشار الطريقة وفق شروطها المقررة والمبنية على الكتاب
والسنة. ولكن نريد أن نلفت انتباه الجميع إلى أن المشايخ عندما يقدمون هذه
الإجازات يقدمونها في الحقيقة باعتبارها ترشيحات لبعض الأشخاص بأنهم قد تأهلوا
لخدمة الإسلام على قدم الصدق، والإخلاص، واليقين، والتوكل على الله تعالى، مع
الاستقامة الكاملة على الشريعة الإسلامية كما قال تعالى : (فَلِذَلِكَ فَادْعُ
وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا
أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا
وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى: 15]
فإذا عمل المقدم بالكتاب والسنة قدر
المستطاع غير محرف، ولا مبدل، ولا متنكر، ودعا إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة
الحسنة حتى ظهرت بركة أعماله وآثارها الحميدة لدى القاصي والداني، وشهد له أهل
عصره بالتقوى والصلاح والاستقامة على الجادة فإن ذلك يكون دليلا على تقديم الله
تبارك وتعالى له، في إرشاد الخلق وردهم إلى اتباع سبيل من أناب إليه وأنعم عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وعندئذ يرزقه التوفيق والسداد في كل حركاته
وسكناته ويكون من نواب سيدنا رسول الله تعالى في إيصال دعوته وتبليغ رسالته،
وعندئذ يقبل الله تعالى ذلك الترشيح ويقدمه لأن الله تعالى هو المُقدِّمُ الحقيقي.
وأما إذا تنكب هذا المرشح للتقديم، وضل
الطريق كما هو مشاهد اليوم في كثير من المنتسبين إلى الجناب العالي، واتبع هواه،
وعمل بما يراه من ارتكاب للمخالفات الشرعية والتبرير لها، بل ودعوة الناس إليها
والتشجيع عليها مع الأمن من مكر الله، فإن هذا الشخص عنده ورقة الترشيح للتقديم
ولكن أفعاله تؤخره ويصبح مؤخرا والله تعالى هو الذي أخره لأنه وحده تعالى المؤخر
الحقيقي. وقد قال تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ
اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99 ].
ولذلك ندعو إخواننا دعوة صادقة إلى إعادة النظر في هذا الأمر وليرجع الجميع إلى المبادئ الأساسية التي انبنت عليها صحبة الصالحين الصحبة في الله والتي عندما يأتي فيها المريد إلى الشيخ المربي لا يبايعه إلا على على الكتاب والسنة ولتوصيله إلى المعرفة الحقيقية بالله تعالى، لا لأي غرض آخر حتى يتزكى هذا المريد ويصبح بعد ذلك أمة يدعو إلى الخير فنسأل الله تعالى التوفيق والسداد.
وختاما إخواني في الله،
نطلب منكم جميعا إدامة ومواصلة التوجه إلى
الله تعالى، بالدعاء آناء الليل وأطراف النهار بأن يوحد كلمتنا مع المحبة،
والتصافي، والتعاون المثمر الذي يؤدي إلى توحيد صف الأمة الإسلامية في مشارق الأرض
ومغاربها إن شاء الله.
كما نخص بالدعاء أيضا قادتنا على جميع
المستويات وعلى رأسهم فخامة السيد الرئيس/ محمد بخاري، رئيس جمهورية نيجيريا
الافيدرالية، وأعوانه من كبار المسئولين على مستوى الحكومة الفيدرالية، حفظهم الله
جميعا، وكذلك حاكم ولاية برنو، ولاية السلام، سعادة السيد/ الحاج بابا غنا عمارا
زولم، وأعوانه في الولاية، وكذلك جميع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب على المستوى
الفيدرالي ومستوى الولايات، وجميع حكام الولايات والوزراء وقادة الأجهزة الأمنية
المختلفة، وصاحب السمو السلطان الحاج/ محمد سعد أبوبكر الثالث، سلطان صكتو، وصاحب
السمو، شيخ برنو الحاج الدكتور/ أبوبكر بن عمر غربي الكانمي، وباقي أصحاب السمو
والسلاطين وأصحاب الفضيلة العلماء، ورؤساء المنظمات الإسلامية والشبابية والنسائية
وقادة الأحزاب السياسية المختلفة والزعماء الآخرين للمواطنين النيجيريين، حفظهم
الله جميعا، نسأل الله تعالى، لهم جميعا بأن يلهمهم الرشد والصواب في اتخاذ
القرارات الحكيمة والسديدة والتي تؤدي إلى تحقيق الأمن، والسلام، والاستقرار في
كافة أنحاء البلاد، ورفع المعاناة عن
المواطنين في جميع شئون الحياة مع الإبقاء على جمهورية نيجيريا الفيدرالية،
موحدة ينعم فيها جميع المواطنين بحقوقهم المشروعة إن شاء الله. كما، نسأل الله
تعالى، أن يحفظ شبابنا من الانزلاق إلى مخططات الأعداء الرامية إلى الإضرار بوطننا
العزيز الذي يجب أن نحافظ عليه للأجيال القادمة كما حافظ عليه أسلافنا الأماجد
رحمهم الله.
كما نوجه ذات الرسالة إلى الشباب في جميع
أنحاء العالم، وخاصة في اليمن السعيد، والشام المبارك، وليبيا، ومصر، والسودان،
وتشاد، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، للاستماع دائما إلى أهل العلم
والمعرفة والاختصاص من الشيوخ والحكماء والاستفادة من خبراتهم المتراكمة للاستنارة
بها في سعيهم لتحقيق مزيد من الاستقرار، والتقدم في بلدانهم المختلفة بطريقة علمية
وموضوعية دون الوقوع في شباك الأعداء بسبب العواطف أو الإغراءات، أو التضليل
الإعلامي. كما يجب التنبه إلى أن الغاية لا تبرر الوسيلة في شرعنا الحنيف لأن الله
تعالى، قد تعبدنا بالوسائل كما تعبدنا بالغايات. وكل المشاكل الدنيوية والأخروية
قد تكفل الهدي النبوي الشريف بإيجاد
الحلول الكاملة لها، فلا ينبغي علينا أن نجعل من قوة شبابنا وقودا لمحرقة تضر
بالأمة الإسلامية وتؤخرها في وقت يستفيد الأعداء من تلك المحرقة التي خططوا لها منذ
زمن بعيد، وهذا هو الذي يجري بكل أسف في كثير من البلدان اليوم.
تقبل الله منا ومنكم سائر الأعمال، وجزا
الله عنا كل من ساهم في إنجاح هذه المناسبة الشريفة سائلين الله تعالى لنا لكم
موفور الصحة والعافية وطول العمر وقضاء جميع الحاجات الظاهرة والباطنة، كما نسأله
تعالى أن يعيد جميع الذين حضروا هذه المناسبة من أماكن بعيدة إلى ديارهم سالمين
غانمين بجاه المحتفى به سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. كما نسأله تعالى
أن يعيد علينا هذه المناسبة والأمور قد تغيرت بتغير سلوكنا إلى الأفضل حتى يتحقق
لنا ما يرضي الله تبارك وتعالى، ورسوله
صلى الله عليه وسلم ويشرح صدور المؤمنين بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز.
طاب يومكم وكل عام
وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته